العادات الصحراوية بعد حضاري و تأصيل للموروث الجزائري

تحفل المناطق الصّحراوية بالجنوب الجزائري بعديد العادات والتّقاليد التي دخلت ضمن منظومة القيم الاجتماعية وتطبع الحياة اليومية للسكان بتلك المناطق. ولعلّ بعض تلك العادات التّقاليد قد تخلّت عنها الأجيال اليوم بسبب العولمة والتغيّرات الحديثة، وأيضاً بسبب عدم الدعوة إلى تعريف الأجيال المتعاقبة بها أو السعي إلى الحفاظ عليها وتنميتها. فهي تشكّل جزءاً من هويّة سكان هذه المناطق التي كانت معبراً لعديد الثقافات والحضارات، نظرا إلى انفتاحها على مالي والنيجر وموريتانيا من ناحية الجنوب، والصّحراء الغربية والمملكة المغربية من الناحية الغربية، وأيضاً توسّعها على ليبيا وجزء من تونس في الناحية الشرقية، وهو ما جعلها تشكّل مزيجاً من الأجناس والأعراق البشرية واللّهجات و لأاهمية الموضوع كانت لنا وقفة عند بعضها للتعريف بها والحديث عن بعض الأبعاد التواصلية التي تربط هذه المناطق الصّحراوية بالجنوب الجزائري بغيرها من المناطق الأخرى، خصوصاً منها المتاخمة لها.

ولا بد من الإشارة في البداية إلى أنّ العادات التّقاليد بهذه المناطق لم تحظ إلى حدّ اليوم بذلك الاهتمام الذي تستحقه من طرف الباحثين والدارسين والمهتمين خصوصاً المتخصصين منهم في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والأدب واللّهجات وغيرها. فهي ذات أبعاد أنثروبولوجية واسعة تعبّر عن الذهنية الشعبيّة والخلفيات المختلفة التي تعتمدها كمنطلقات في التفكير؛ عبر مختلف المجتمعات التي تنتمي إليها؛ مُبرزة شبكة العلاقات الاجتماعية وأساليب ارتباط الناس مع بعضهم البعض من خلال تلك العادات التي توارثتها الأجيال؛ وأصبحت تشكّل عنصراً دينياً أساسياً يتصّل بالأفراد قبل، ويصل ذلك إلى حدّ الاعتقاد الراسخ بأنّها جزء لا يتجزأ من الدّين، وقد تمّ التعبير عنها في عديد النصوص الشفهية؛ بمختلف اللّهجات التي تُستعمل في الأحاديث اليومية في مختلف نواحي مناطق الجنوب الجزائري.

الأولياء الصالحون بالصّحراء

وقد تحدث عن هذه العادات التّقاليد بالجنوب الجزائري بعض الرحالة والمؤرخين العرب والغربيين، نذكر من العرب ابن بطوطةوالعياشي..، ومن الأجانب نذكر جاكوب أوليل Jacob Oliel و إدوارد بلانكEdouard Blanc وكاميل ساباتييرCamille Sabatier، هذا الأخير الذي أذهله نظام السقي التقليدي باستعمال نظام ” الفـﭭـارة “.

ولأنّ هذه الموروثات الشعبية بدأت تندثر شيئاً فشيئاً بسبب عدم ممارستها، وأيضاً بسبب عدم تدوين وتسجيل ما تتعلّق بها من معارف، و للمحافظة على هذا الموروث تم انشاء بجامعة غرداية فريق بحث في إطار المشاريع الوطنية للبحث (PNR)، بعنوان: “المُدوّن والمنطوق في المنتجات الثقافية بالجنوب الجزائري”،حيث استطاع الفريق العلمي من خلاله الوقوف عند عديد العادات التّقاليد التي تناقلتها الأجيال في تلك المناطق؛ والتي يوجد أغلبها في وضعية الحاجة إلى خطّة استعجالية للعناية بها.

ومن تلك العادات نجد ما يُسمى بـ : “المعروف” أو “الزِّيارة” أو “الوَعْده” ، وهي عبارة عن لقاء سنوي يُقام تخليداً لمناقب بعض الأولياء الصالحين، يجتمع فيه مريدوهم وأحفادهم ومحبوهم، من أجل المشاركة في قراءة القرآن والأدعية و المدائح وإطعام الطعام وصلة الأرحام، وتقام على هامش هذه اللقاءات بهذه المناسبة أسواق واحتفالات شعبيّة. ومن تلك “الزيارات” مثلاً في منطقة توات نجد زيارة الشيخ عبد المالك الرقاني التي تُقام في الفاتح من شهر ماي من كل سنة وذلك بقصر زاوية الرقاني، وأيضاً الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف ببني عباس في منطقة الساورة (ولاية بشار)، وبتيميمون في زاوية كنتة (ولاية أدرار)، وأيضاً وعدة سيدي الشيخ أو ركب سيدي الشيخ التي تتّم في منطقة الأبيض سيدي الشيخ (ولاية البيض). ويمكننا القول أنّ مفهوم الركب تأسّس بوفاة الأب الروحي والديني سيدي الشيخ بنواحي الكراكدة نتيجة الوصية التي أعدّها بعد شعوره بقروب الأجل بسبب الجراح التي أصابته وهو يحارب الأسبان في شواطئ وهران، فاضطرّ سكان استيتن والكراكدة إلى نقل جثمانه الطاهرة إلى الأبيض تلبية لطلبه في موكب جنائزي سمي “الركب”. فأصبح هؤلاء السكان متمسكين بإحياء ذكرى وفاة الشيخ سنويا تكريما وتخليدا لمناقبه.

ويقودنا الحديث عن الأولياء الصالحين بمناطق الجنوب الجزائري إلى الحديث عن بعض العادات التي ترتبط بعدد من الطرق الصوفيّة التي انتشرت في تلك المناطق، والتي تصاحب بعض ممارساتها عدداً من العادات التّقاليد والممارسات الصوفية المحلية، مثل ما هو موجود في منطقة توات (ولاية أدرار حالياً)، حيث تعتبر من المناطق التي انتشرت بها الطريقة الطيبية أو الوزانية، ومؤسسها هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الشريف الوزاني (1004 وزان 1089هـ/1596-1678م)، من نسل يصلح بن عبد السلام بن مَشيش من الأشراف الأدارسة، وقد هاجر من مسقط رأسه بشمال المغرب الأقصى واستقر في بلدة وَزَّان الواقعة في تلك المنطقة، وخَلَفَهُ في المشيخة بعد وفاته ابنه أبو عبد الله محمد(1120هـ/1715م) وأبو عبد الله محمد الطيب (1181هـ/1767م) الذي أصبحت الطريقة تنسب إليه فسميت بـ “الطيبية”، وقد اهتم الأخوان التهامي ومحمد الطيب بتوسيع نفوذ الطريقة طوال فترة مشيختهما، فأنشآ لها زوايا في المغرب الأقصى وشرقه، وأرسل التهامي ثمانية عشر من أولاده كي ينشروا الطريقة هناك، وتُسمى هذه الطريقة أيضاً بـ “الجَازُولِيَّةِ” أو “الجَزُولِيَّة”.

وقد شهدت الطرق الصوفية ابتداء من القرن التاسع الهجري الخامس عشر ميلادي انتشاراً كبيراً، وذلك تحت تأثير الجزولي وأولاده، وخاصة في المغرب العربي. ويقول الشيخ محمد العربي السائح الشرقي العمري التجاني في شرح قصيدة “مُنية المريد” لأبي العباس سيدي أحمد المدعو التجاني ابن العلامة سيدي بابا الشنقيطي العلوي

إنّ الشيخ رضي الله عنه وأرضاه لما سافر من بلده إلى فاس الإدريسية وما بإزائها من الديار المغربية، يقصد العثور على من يأخذ بيده ويوصله إلى حضرة المعرفة بالله ؛ كان من جملة من قصده لذلك المطلب وأتاه السيد الماجد الأصيل الخاشع المنيب الحليم الأواه، قطب زمانه ومصباح أهل أوانه الشيخ أبو محمد مولانا الطيب بن القطب سيدي محمد بن القطب مولانا عبد الله الشريف خِلفة آبائه الفضلاء الأعيان القائم بأعباء التربية والترقية بعدهم في زاويتهم الشهيرة في وزان

والظاهر أنّ الشيخ التجاني قد رفض أخذ الورد وتلقينه عن الشيخ مولانا الطيب، لاهتمامه، حينها، بأمر نفسه ولأنّه لم يتحقق بحقيقة مقام الشيخ مولانا الطيب في ذلك الوقت، وهذا دليل على المكانة العالية لكل منهما.

وفي منطقة توات يحتفل مريدو الطريقة الطيبية أو الجَازُولية أو الوزانية كل سنة بعيد عاشوراء ؛ فيقام احتفال كبير حيث تلبس فيه الأعلام أو الرايات التي تمثل كلٌّ منها ولِيّاً أو شيخاً من شيوخ هذه الطريقة، وتلتقي هذه الأعلام ككل سنة بقصر تمنطيط (أدرار).

فأعلام سيدي عبد القادر يمثّلها كل من قصر المنصور وبني وازال وامراقن وبني لو ولسيدي اليماني علم كبير، وتُلبس] 03 أعلام يوم الاحتفال المحلي المعروف بـ ـ(بيانو)]، وفي صباح يوم عاشوراء تدخل ثلاثة أعلام من منطقة بودة، ويوم عاشوراء عند الخروج لسيدي ناجم تلبس الأربعة أعلام الباقية، ويطوف مقدم الطريقة ببعض قصور إقليم توات الأوسط ذهابــاً وإيـاباً

البَرَّاحْ

ما تزال الأخبار والمعلومات في كثير من قرى وقصور منطقة توات تُتداول عن طريق “البَرَّاح”، وهو ذلك الشخص الذي ينقل المعلومات والأخبار إلى أهل القصر، فهو بمثابة وسيلة إعلامية، لنقل كل ما يستجد في القصر من أخبار ومعلومات تخصّ الإعلان عن الوفيات ومواقيت وأماكن الصلاة عليها، وأيضاً الولائم خصوصاً العامة منها، أو ما يُطلق عليها “السَّلْكَه عْلَى حَدّْ المُكَلفْ”، والتي يُستدعى إليها كل “المُكلّفين”، أي كل من وصل سنّ البلوغ، وأيضاً يُكلّف البَرّاح باستدعاء الناس إلى ما تُسمى محلياً
بـ “تْوِيزَه”. وهذه الأخيرة كلمة أمازيغيّة تعني التعاون، فكلّما احتاج الناس إلى حفر بئر تنقية ساقية من السواقي من أتربة الرياح، أو وضع سدّ من سعف النخيل لمنع تقدّم الرياح أو بناء مشروع عمومي كالمساجد أو الزوايا أو دار السبيل (المُسماة محليا “دارْ الزَّاوْية”) أو غيرها من الموضوعات الأخرى، كلّما احتاج الناس إلى ذلك، تمّ تكليف “البراح” بـالقيام بإعلام الناس.

ويكون هذا الإعلان عادة في المناطق العمومية، والتي تشهد حضور عدد كبير من سكان القصر، وتبدأ عملية “الْبْرِيحْ” بقول البَرَّاحْ: “سمعوا يا السامعين ما تسمعوا الخير والعافية” ثم يذكر بعدها الموضوع.

مدائح السُّلوك والحُفُوضْ

إنّ ممّا تفتخر به مناطق القطر الجزائري عموما ومنطقة توات بأخص الخصوص هو وجود الزوايا القرآنية والتي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وتوجد تقريبا على مستوى كل قصر من قصور المنطقة، إمّا في شكل زاوية أو كتَّاب. والزاوية هي التي تدرّس القرآن وعلومه والفقه والحديث، ويدرّس فيها طلبة من مختلف المناطق، وعادة تكون ذات هيكل مستقل بذاته، أمّا الكتاب فعادة لا يحفظ فيه إلا القرآن الكريم ويدرس به فقط طلبة من القصر أو المكان الذي يوجد به وعادة ما يكون تابعا لمسجد من المساجد .

و ” السلوك ” هو أن يكمل الطالب حفظ القرآن صعودا، أي من آخر سورة في القرآن إلى سورة البقرة ، أما الحفوظ أن يكمل الطالب حفظ القرآن صعودا ثم نزولا ، ويكون ذلك باستظهاره عند المدرّس أو ” الطالب ” عبر ما تسمى بـ ” اللوحة ” والتي تؤخذ من الخشب والقلم الذي يصنع من القصب والدواة التي تصنع من قارورة صغيرة توضع بها اسفنجة زائد الكُحل. ويسمى الذي أكمل حفظ القرآن بـ “السالك” والآخر “حافظ”. والسالك من سَلَكَ يسلك، وتشتق من هذه الكلمة ” السلْكة ” التي تطلق اسما على القرآن ككل. أمّا الحافظ، فهي مشتقّة من حَفِظ يحفظ، فدراسة التلميذ أو المتعلّم للقرآن صعودا ونزولا تكفي لأن يحفظه عن ظهر قلب.

ويقام لأولئك عادة حفل خاص يكون في الغالب يوم الأربعاء حيث يبدأ صباحا بإلباسهم اللباس الخاص بهذه المناسبة فالسالك يلبس سروالا أبيضا وقميصا أبيضا، ويلبس فوقهما عباءة بيضاء وعمامة بيضاء، ونعلين صحراويين أبيضين كذلك، ويزيد الحافظ على كل ذلك ليتميّز عن السالكين برنوسا أبيضا وقطعة قماش مزركشة تعلّق قرب رقبته، والبنات يبقين في البيوت ولا يخرجن البتّة. بل تجرى كل عملية الاحتفال من إلباس داخل البيت، وفي الوقت الذي يكون الأولاد يلبسون لباسهم، تحضر أطباق التمر واللبن، ثمّ بعد الانتهاء من كل ذلك، يخرج السالكون والحافظون جميعا إلى المسجد يلتقون فيه جميعا مع كلّ المدعوين، ويجلس الشيخ أو “الطالب” في المقدمة، وتحضر الألواح وقد كتب عليها “ثمن الحزب” الذي يبدأ بـ “يستبشرون بنعمة من الله وفضل …” إلى نهايته بالنسبة للسالكين، أمّا الحافظين للقرآن من بدايته أي من “الحمد لله رب العالمين” والثمن الأول من سورة البقرة، فيأخذ الشيخ قلما ودواة ويشرع في القراءة وهم يردّدون معه. يبدأ بالسالكين ثمّ الحافظين، وهو إذ ذاك، يقوم بعملية تشكيل الكلمات، وفي الأخير تقام ما تسمى “الفاتْحة” أو الدعاء، ثمّ في الأخير توزّع أطباق التمر والحليب على الحاضرين،ليخرج الكلّ بعدها للقيام بعملية “التطواف” بالسالكين والحافظين عبر بعض الأماكن المجودة في القرية أو القصر، وسنأخذ مثالا على ذلك قصر زاوية كنته.

وأثناء عملية “التطواف” تردّد كل مجموعة من المدائح والقصائد الدينية، بعضها بالفصحى والبعض الآخر بالعامية، وكلّها أصبحت متداولة حتى عند غير المتعلّمين من كثرة تردادها، ومن بين الأماكن التي يزورونها في زاوية كنتة “درب الشرفا”، ثمّ بعدها يذهبون لزيارة “القصبة العتيقة”، ثمّ بعدها يتوجهون إلى “الدار الكبيرة”، ثمّ بعده إلى “درب الروضة”، وهو شارع قرب المقبرة وسمي باسم القبة أو الضريح الموجود بها والذي يسمى محليا “الروضة “،

المُسَحَّراتي

هو الشخص الذي يقوم بإيقاظ الناس إلى السحور في ليالي شهر رمضان الفضيل، ويكون ذلك عبر مجموعة من الأقوال والأشعار والأدعية التي يردّدها أثناء تجواله بين أحياء القصور في منطقة توات، ويكون ذلك بطريقة مموسقة يستعين في القيام بهذه العملية بآلة “الدندون”. وتسمى هذه العملية التي يقوم بها بـ”الدّْبِيْدْبَه” أو بالأمازيغية الزناتية (تسكيحت)، ومعناها الجولان في المدينة، وقد لا يؤديها شخص واحد فقط وإنّما قد يكون معه أفراد كثيرون، كما هو الأمر بمناطق إقليم قورارة. والدبيدبه هي عملية قرع على آلة (الدندون) و المترافقة مع ترديد بيتين

ويقوم بهذا الضرب أحد الأفراد وهو كما هو شائع واحد من أعضاء فرقة محلية، وهي لا تكون إلا في شهر رمضان لإيقاظ الناس إلى السحور، ولأنّ طبيعة القصور في منطقة توات المتميزة بصغرها فإنّ هذا الرجل يستطيع أن يجول في القصر أو القرية كلها ويدخل الأزقة واحدا “واحدا”. أمّا أصل التسمية فهو من صوت الضرب على تلك الآلة، والتي هي الدندون والكلمة مشتقّة من ” دندن يدندن “، تردّد أثناءها أغنية شعبية شهيرة، فيقال إنّها “تدبدبه” لأنّ صوت تلك الضربات هو (دب)، ومن الأغاني التي تغنيها الأمهات لأبنائهن حتى يناموا

احتفالية بْيَانُو وعادة العروفات

بْيَانُو احتفالية اجتماعية يقوم بها المجتمع التديكلتي ولهقاري على غرار بعض المجتمعات في الجزائر في كل عام مرة، وذلك في التاسع من شهر محرم والعاشر منه، فهذه الظاهرة تعدّ تبركا باليوم المبارك (يوم عاشوراء) الذي يقدم الناس فيه على الصدقات والزكاة.

“بيانوا فيك” كلمة يبادر بها الناس كل من لقوه في الطريق حين يروا هلال محرم حتى يضمنوا رغيفا يوم التاسع منه، والذي يسمى “عاشور”، ويوم العاشر من محرم “عاشوراء”، والكلمة من “البيان” ويعني الوضوح والظهور، فقد ظهر في الهلال ووضّح قبلك، فأنا أخبرتك بمصطلح محرم، فلك أن تعطيني شيئا، أو يقال هي كلمة أمازيغية، فيوم بيانو هو من أعراف التديكلتي ولهقاري، وفرصة للأطفال للاستفادة من الصدقة، إذ لا يقتصر الأمر على الكبار.

في صبيحة هذا اليوم يخرج الأطفال من منازلهم وكل واحد منهم يحمل إناء أو علبة أو مخلة، فيجتمعون جماعات جماعات يجولون بين أرجاء القصر أو المنازل، يجمعون ما يعدّونه أهل المنزل لهم من حبوب أكل جاهز، وإذا أحسّ أحدهم بالتعب رجع إلى منزله لكنه يصنّف مهزوما في نظر أصدقائه لأنّهم يتنافسون في جمع “بيانو”، وكل منهم يحاول أن يكون لديه النصيب الأكبر، وإذا لم ينهكه التّعب يملأ إنائه عدة مرات ويذهب إلى منزله ويفرغه ثم يعود لإتمام المنازل المتبقية.

ومن ما تعدّه الأمهات للأطفال في ذلك اليوم من الحبوب وغيره ما يلي: الفول، الحمص، الجلبانة…إلخ. وهاته الحبوب هي الأكثر رواجا في عصرنا الحالي بالإضافة إلى الفول السوداني، والحلوى .

فلما يردّدون هذه العبارات، تأتي لهم ربة البيت بنتا كانت أم أمّاً، فتفرغ في كل إناء نصيبه من الحبوب، وتعدّ ظاهرة “بيانوا فيك” في منطقة أولف من العادات التّقاليد التي لاقت اهتمام الأغلبية من الناس بخاصة منهم الأطفال والنساء، و الاحتفال بيوم عاشوراء في منطقة أولف مختلف اختلافا طفيفا عن منطقة توات

– يردّد كل فرد من أفراد المجتمع قائلا لصديقه أو أخيه أو أبيه أو جاره “بيانوا فيك” ويرد عليه: “الساقية والماجن ترويك”.

– تخرج الفتيات بدلاء مملوءة بالماء يرشون الفتيان بالماء دلالة على الزواج عكس ما يحدث في لهقار.

– تخرج كل عائلة أو كل أهل منزل بالحمص أو الفول، أو الفول السوداني والحلوى ويقسمونهم على كل من التقوا به.

– أمّا يوم 10 محرم المعروف بيوم عاشوراء فهو عكس عاشور، إذ يحدث فيه وأن يصنع الأطفال والنساء السوار بالطين، وكل عائلة تطبخ شيئا (صدقة)، خبزا “الخبز الرقيق” أو حساء يجتمعون في أعالي القرية أو المدينة، يأكلون ما طبخوه ويلبسون السوار المصنوع بالطين ثم يكسرونه ثم يجرون برهة، ويغنون: “عاشور ياويلوا ماتت أموا بقات النايحة”.

أمّا بتيط التي تبعد عن أولف بـ 60 كلم فسكّانها يحتفلون بمناسبة عاشوراء من القديم حتى يومنا هذا. فمنذ دخول شهر محرّم، يبدأ الناس ببعض العادات منها : أن الناس أو بعض السكان (رجالا ونساء) يربطون أيديهم وأرجلهم بسعف النخيل الأخضر طيلة اليوم يطلبون من الله أن يحقق لهم أمنياتهم كل حسب ما يتمنى، لكن تبقى أمنية الزواج من الأمنيات الشائعة خاصة بالنسبة للنساء، ثم في اليوم الموالي وعندما ييبس هذا السعف ينزعونه من أيديهم وأرجلهم بعدما يقرأ الرجال الفاتحة. إضافة إلى هذا يردد الناس عبارة “بيانوا فيك”، وهي عبارة يتداولها الناس فيما بينهم يوم عاشوراء وكل من يسبقك بقولها، عليك أن تعطيه شيئا مقابل ذلك، وهي موجودة في حالتين:

إمَّا أن تكون بين النساء، فمن تسبق الأخرى بقولها تعطيها نصيبا من الفول أو قطعة من الخبز الرقيق أو ما شابهه مما يطبخ في ذلك اليوم خصوصا لهذه المناسبة.
أو أن تكون بين الأولاد فينتظرون خروج أي بنت بكرا أو ثيبا من بيتها فيرشونها الماء ويقولون لها : “بيانو فيك الساقية والماجن ترويك، إن شاء الله ايجي راجل يديك” ومثل هذا يحدث في لهقار.

أمّا عادة العورفات العُورفات وأصلها العُرفات بالقصر دون مدّ للراء، إلا أنّه غلب عليها أداء المنطقة (الهقار و تديكلت).و العُورفات من عُرف .

عادات صحراوية وصناعات تقليديّة

وتتميّز مناطق الجنوب في مجال الزراعة والفلاحة بعادة ” تْويزه”، وهذه الكلمة أمازيغية تعني التعاون والتكاتف، حيث تحتاج كثير من الأعمال إلى تعاون الأفراد للقيام بها كحفر الآبار وإزاحة الرمال عن الأراضي الزراعية بوضع حاجز من سعف النخيل يُسمى “آفْراقْ” وغيرها من الأعمال الأخرى، خاصة أن البيئة الصّحراوية تتميّز بقساوة الجو كما ذكرنا من قبل، فلذلك تُعتبر ” تويزة” مظهراً من مظاهر التعاون الاجتماعي الذي يتميز به أهل الجنوب تميزاً كبيراً، وبعد انتهاء تلك الأشغال الشاقة التي قد تكون مرفوقة ببعض الأغاني والإيقاعات الشعبية للحثّ على العمل وشدّ الهمم
أكثر، بعد انتهاء الأشغال، عادة تُقام وليمة على شرف المشاركين في العملية.

وترتبط بالطبّ الشعبيّ، أو طُرق التداوي الشعبيّة، بالجنوب الجزائري عدة عادات وتقاليد، إذ ما تزال كثير من العائلات الجزائرية عموماً والصّحراوية خصوصاً تلتجئ إلى استعمال بعض الأعشاب وطرق العلاج الشعبية خاصة المتعلقة بالكسور أو الرضوض وغيرها من الأمراض الأخرى، فيستعمل للكسور مثلاً ما تُسمَّى بـ “الجّْبيره”. وهي عصيّ صغيرة وقطع من القماش تُلَفُّ بطريقة خاصة حول العضو المكسور، ويقوم بهذه العملية شخص يُسمَّى بـ ـ”لَمْعَلَّم”.وكانت قبل سنوات قليلة تُستعمل للرضوض ما تُسمَّى بـ “الشّْراطه”، وهي عبارة عن جروح صغيرة يُحدثها “لَمْعلَّم” في المكان المُصاب، ثُمَّ توضع عليها الحناء المطحونة وتغطى بقطعة قماش إلى أن تشفى تماماً.

أمّا عن الصناعات التقليدية بالجنوب الجزائري فنجد “الزَّربيَّة” أو السجّاد أو البساط التقليدي، والتي تنعكس فيها معالم الهوية الثقافية من خلال ألوانها وأشكالها والرموز المستعملة فيها، ويمكننا اعتبارها تماماً كاللوحة الزيتيّة التي يُعبرّ فيها الفنان عن مشاعره وأحاسيسه، إذ يُعبر سكان هذه المناطق ـ والمرأة بالخصوص ـ عن بعض من تفاصيل حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، وكذا البيئة الجغرافية التي ينتمون إليها، مما يُمكن أن يشكّل مجالاً خصباً للدراسات السيميولوجية،التي يُمكنّها باستعمال إجراءاتها وآلياتها المختلفة أن تكشف عن عديد الرموز الثقافية المعبّرة عن الهويّة في كل مجتمع من المجتمعات.

ولعلّ من أشهر الزرابي المعروفة في الجنوب الجزائري نجد “زربية غرداية” التي تنسجها المرأة الغرداوية بشكل أخصّ، وتبوح فيها عن كل ما تختزنه ذاكرتها من تراكمات ثقافية، وتبثّها أيضاً مشاعرها وعواطفها، خاصة أثناء غياب الزوج الذي يسافر من أجل التجارة وكسب لقمة العيش.

فمثلا منطقة ضاية بن ضحوة تمتاز بزرابيها الجميلة بأحجام مختلفة ومن أهمّ أنواع هذه الزرابي:
زَرْبِيّة العَظْمْ، تصنع من صوف الماشية والفبران تتشكّل من عدّة رموز وأشكال تسمى بـ “الرَّقْمَة “، متواصلة وتعبّر عن إبداع المرأة المذبوحية.
زَرْبِيَّة النِّيلَة، تختلف في رموزها كليا عن زربية العظم، بحيث أنّ رموزها تكون على شكل وحدات متقطّعة تعبّر عن مختلف الأشياء المكونة للبيئة الصّحراوية. يستعمل في نسيجها الصوف والفبران كذلك.
الحَنْبَل، وهو زربية تتشكّل رموزه من عدّة مستطيلات ويستعمل فيها لونين فقط وتنسج من مادتي الصوف و الفبران.
الفَرَّاشِيّة، هي شبيهة في أشكالها بالحنبل ولكنّها تختلف معه من حيث ألوانها العديدة، تنسج بالصوف و الفبران.

بالإضافة إلى صناعة الزرابي هناك نسيج “الجَلاَّبَة” و”البَرْنُوسْ”. ويستعمل في نسيجهما صوف الماشية ووبر الإبل.

وهناك بعض العادات التّقاليد الأخرى والتي ترتبط بمناسبة الزواج، حيث تقام في مناطق الجنوب الجزائري الأعراس بشكل جماعي، فهي تجمع أكثر من عريس، ويجتمع في ذلك أهل البلدة فيتعاونون في تكاليف الزواج وفي المأدبة التي تُعدّ بالمناسبة.

كما يؤخد العروسان قبل الدخول إلى زيارة بعض الأماكن مثل “محضرة سيّد المُستجاب بمدينة غرداية”،بحيث يعتقد الناس بضرورة زيارة هذا المكان من أجل أن يكون الزواج ناجحاً متوجا بالرفاه والبنين.

ومن المناسبات الاجتماعية أيضاً الختان (المسمى في بعض مناطق الجنوب الجزائري بـ “الطّْهارة”)، حيث تُعدّ بهذه المناسبة أطباق شعبيّة أشهرها “المَرْدود” أو “البركوكس”، ويتمّ الاحتفاء بهذا الطفل المُختتن.

ومن المناسبات الدينية نجد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تتمّ منذ مطلع شهر ربيع الثاني قراءة قصيدة “البردة” للبوصيري، وأيضاً قصيدة مطولة في المديح النبوي لابن مهيب، حيث يُقرأ كل ليلة جزء منها إلى غاية يوم الثاني عشر من ربيع الثاني، حيث تتم عدة احتفالات في مناطق الجنوب الجزائري، وخصوصاً في منطقتي زاوية كنتة بوسط توات و تيميمون بإقليم قورارة،وتقام احتفالات كبيرة، يُحتفى فيها بما تُسمى بـ “العلمة”، وهي عبارة عن أعلام تمثل كل منها ولياً من الأولياء الصالحين الذين تضمهم هذه المناطق، تلتقي في مكان واحد تصويراً لالتقاء أولئك العلماء والصالحين.

ويتمّ الاحتفاء في بلدة متليلي بغرداية بالجمل أو “المهري” لكونه يُشكل جزءاً لا يتجزأ من حياة البدو الرحل بتلك المناطق الصّحراوية لما يشكله من عنصر مهم تستمدّ منه تلك القبائل اللبن والجلود واللحوم، إضافة إلى أنه يستعمل في التنقل والترحال أثناء عملية التنقل بحثاً عن الماء والكلأ في مناحي الصّحراء الواسعة.

ومن العادات ما يرتبط بالبناء التقليدي ضمن ما تسمى بـ “القصور” في مناطق الجنوب الجزائري، ما يُميز الكثير من المباني التقليدية هو أنّها تُبنى من مواد محلية كالطين واللَّبن، وتُسقف بجذوع النخيل وسعفها أو ما يُسمى محلياً بـ “الجّْريد” وأيضاً أغصان النخيل “الكرناف”، وتُراعى في هذا المنزل شُروط التهوية عن طريق كُوة في السقف والسلالم التي تقابل عادة مدخل البيت، كما تُراعى فيها أيضاً الشروط الأساسية التي تجعل المنزل دائماً محافظاً على حرارته، ومنه توفير الدفء في الشتاء والجو المُنعش في فصل الصيف، وتكون عادة في مدخل البيت غُرفة خاصة بالضيوف، وتُوفّر لهم فيها كل شروط الراحة.

وتتشكّل هذه المنازل عادة في تكتل أو بناء مشتركٍ يُعرف بـ ـ”القَصبة” أو “لقصَرْ”، يتوسّطه أو يعلوه المسجد، وتوجد بداخله أزقة أو دُروب، يُحيط بالقصر سورٌ كبير يحتوي على أبراج وله مَدخلٌ واحد، ويُحيط بهذا السور خَنْدَقٌ. وكل هذه الاحتياطات لدفع الغارات والتصدي للهجمات التي كانت تتعرّض لها هذه القصور في فترات سابقة.

ولعلّ من هذه القصور في الجنوب الجزائري قصور بوسمغون وتيوت في منطقة البيض، وأيضاً القنادسة وموغل في منطقة الساورة (ولاية بشار)، وكذا قصر تمنطيط وتماسخت وتاخفيفت وتازولت بمنطقة توات (ولاية أدرار)، وقصر تماسين بولاية ورقلة، وقصبة باجودة بعين صالح، وقصور غرداية (بُنورة ـ بني يزجن ـ مليكة ـ العطف ـ بريان ـ القرارة…)، وأيضاً قصر تمرنة القديمة بمنطقة وادي ريغ (ولاية وادي سوف) والذي تعود نشأته إلى فترة الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا، وقد بُني هذا القصر في مكان مُرتفع؛ تُحيط به غابات النخيل والأشجار المثمرة من جميع الجهات، ولعلّ من خصائص هذا القصر هو أنه شُيِّد على رَبوة يُحيط به سورٌ وخندقٌ، وقد سكنته قبائل الرواغة؛ وهم العنصر البربري الأمازيغي الذين سُمّيت باسمهم المنطقة (وادي ريغ)، ويعود أصلهم إلى قبيلة ريغة وسنجاس الزناتيتين، ويحتوي القصر على مجموعة من الشوارع الرئيسية والثانوية] أو ما تُعرف بـ “سَكَّه نافده”.

و ممّا يرتبط بالعادات الشعبية، نجد الألعاب التقليدية التي تنتشر عبر ربوع هذه المناطق، ويمكننا أن نتعرض إلى بعضها فيما يلي:
التَّاشَكُّومْ، وهي لعبة كانت موجودة في منطقة توات،حيث تُحضر كرة متوسطة من ليف النخيل و يتقاذفها اللاعبون باستعمال عصي النخيل (الكرناف).
بَاهَنْكُورْ،وتجمع باهناكير، وهي لعبة شعبيّة بين لاعبين يجلس كلاً منهما متربعاً وتتوسطها كومة من الحجارة المتوسطة الحجم ولكنها ثقيلة، ويحمل كل منهما بيده حصاة صغيرة يرفعها للسماء ؛ وفي الوقت الذي تحلق هي في السماء يحمل حجراً من الحجارة الموضوعة أمامه؛ ويتلقف في الوقت ذاته الحصاة الصغيرة، أي أنّ الحصاة الصغيرة تسقط بين يده والحجرة الكبيرة، فإذا أخطأ عاد الدور للاعب الآخر، ومن يجمع أكبر عدد من الحجارة يفوز باللعبة.
الغُمَيْضَة، وهي لعبة الاختباء، وخاصة أنّه فيما سبق كانت أغلب الدروب غير مُضاءة فيسهل الاختباء.

وهناك ألعاب أخرى مثل التِّيْستِيسَه، السّْبَاعِيَه، لبَّانتْ….

هذا في منطقة توات، أمّا في منطقة وادي ريغ (وادي سوف)، فهناك عدّة ألعاب شعبية مثل:
الدَّق، وهي لعبة يوضع أمام أحد اللاعبين الذي يكون جالساً على ركبتيه، ويكون خلفه مباشرة لاعب آخر يحمل بيده حجراً متوسطاً يقذف به برميلاً من البراميل المغلقة التي يباع فيها الزيت خاصة، وهكذا يبدأ في التقدم كلما تقدم هذا البرميل فإذا أخطأ، جلس هو مكان اللاعب الأول وهكذا.

أمّا إذا تحدثنا عن اللباس التقليدي في الصّحراء الجزائرية فهو يختلف من منطقة إلى أخرى ومن مناسبة إلى أخرى، إذ ترتدي النسوة في الأهقار ما يُسمى بـ “تِيسَغْنَسْ”، وهو عبارة عن رداء من قماش خاص؛ لونه بَرَّاق؛ يكون عادة أسود اللون، يُسمَّى في بعض المناطق الأخرى من الجزائر بـ “الحَايَكْ”، أما الرجال فيرتدون ما يُسمَّى محلياً بـ “البَازَارْ”؛ وهي عبارة عن عباءة فضفاضة مفتوحة من الجانبين، ويرتدون عمامة تغطي الرأس ويتنقبون، حيث لا تظهر من وجوههم إلا عيونهم، والأمر نفسه يُمكن أن نجده عند سكان منطقة تندوف المتأثّرين باللباس التقليدي الموجود في موريتانيا والصّحراء الغربية. أمّا في باقي مناطق الجنوب الغربي فيرتدي سكّانها من الرجال في الغالب عباءة بيضاء اللون. وهو اللون الذي يتناسب مع حرارة الجوّ، أمّا النساء فيرتدين ما يُسمَّى بـ “الإزار”، ألوانه متعدّدة أغلبها فاتح، لتتناسب مع الطبيعة الصّحراوية. ويرتدي سُكَّان منطقة وادي ريغ من الرّجال عباءة قصيرة في طولها وعمامة، ويبدو التأثر واضحاً عندهم باللباس التونسي؛ نظراً للتقارب الجغرافي الموجود بينهما.

ويتنوع الرقص الشعبي في مناطق الجنوب الجزائري من منطقة إلى أخرى، وهذا الرقص الشعبي الذي هو تعابير جسديّة، يحمل عديد الرموز والإشارات التي تُعتبر خزاناً لكثير من المشاعر والعواطف التي ترتبط بحياة المجتمعات الصّحراوية وثقافتهم، وهي تعبير عن آمالهم وآلامهم ونظرتهم للحياة. ويعبّر الرقص الشعبي وأيضاً الزي الشعبيّ عن عدّة وظائف يُمكن أن يكتشفها المنهج الوظيفي مثلما أشار إليه ريتشارد دورسون في كتابه “نظريات الفولكلور المعاصرة”[15].

ومن الرّقصات المعروفة في الصّحراء الجزائرية رقصة “الضّْفَايَرْ” في منطقة تندوف و”هُوبي” في منطقة بشار، و”البارود” و”يَشُّو” بمنطقة توات، و”الطّْبَل” بمنطقتي تيديكلت بضواحي عين صالح وأيضاً بمنطقة البيض، وهناك رقصة “السَّبيبة” بمنطقة الأهقار (تمنراست وإليزي)…

أمّا السّبيبه فهي احتفال سكان مدينة «جانت» بولاية إيليزي بالعيد السنوي التقليدي لـ «السّبيبه» الذي يعدّ من أهم المناسبات المحلية العريقة التي لا زال يحتفل بها توارق الصّحراء بالجنوب الجزائري، ويصادف الاحتفال بهذا العيد يوم العاشر من محرم “عاشوراء” في التقويم الهجري، وترمز هذه المناسبة التقليدية إلى ذلك اليوم الذي تعاقدت فيها قبيلتان من “التوارق” على الصلح. وعادة ما تعبرّ هذه المناسبة التقليدية عند سكان «جانت» عن اليوم الذي أشيع فيه السلم بين سكان القصرين العتيقين «أزلواز» و«الميهان»، حيث لا زال هذا الحدث التاريخي راسخا في العادات المحلية ويعبرّ عن ذلك اليوم بطريقة احتفالية ضمن طقوس شعبية تحمل كثيراً من الرمزيّة. هذا النصر الأسطوري الذي لا زال يرمز إلى صلابة المجتمع التارقي، تعكسه مشاهد تلك الرقصات الجماعية التي يؤديها الراقصون أو «المحاربون» في احتفالات عيد “السبيبة” على وقع دقات الطبول، وهي تعبّر أيضا عن جانب من العواطف المشحونة التي تختزل جانبا من الصراع الذي كان سائدا في عهود غابرة بين قبائل “الطاسيلي ناجر”، كما ترمز أيضا إلى وحدة هذه القبائل أثناء مواجهتها للأعداء.

ومثلما تقتضيه العادات المتوارثة في أوساط “توارق” منطقة “الهقار” بتمنراست التي يلتف فيها السكان حول أمين العقّال الذي يعتبر رمزا روحيا لزيارة مقام “مولاي عبد الرحمان”، فإنّ عيد “السّبيبة” لدى “طوارق جانت” تعبّر عن ذلك التلاحم الاجتماعي بين القبائل المحلية من أجل الاحتفال سنويا بعقد الصلح الذي أبرم ذات يوم بين قبيلتي “أورارم” و “تارأورفيت”، والذي يجسد نهاية لمسار حروب طاحنة امتدت وقائعها لتاريخ طويل بين قبائل منطقة الطاسيلي وما يرمز إليه هذا الحدث أيضا من تكريس لقيم السلم والتصالح.

اسماعيل علال