وزارة السياحة أمام تحديات و رهانات جديدة
آليات التنمية المستدامة في القطاع السياحي الجزائري
تعد السياحة من المجالات الاقتصادية الجوهرية للكثير من الدول سواء المتقدمة أو النامية ويلعب الفرد فيها الدور الأكبر في ذلك من خلال وعيه المستمر النابع من ثقافة سياحية مبنية أساسا على ضرورة استقطاب السياح باستمرار، كما يلعب الإرث السياحي وما تملكه الدولة من إمكانيات، ومواقع سياحية العامل الأساسي في جلب عدد كبير من السياح ،إن الاهتمام بهذا القطاع الاستراتيجي يجعل من الدولة الإطار الأول والفاعل في وضع الآليات المناسبة الاستثمار العقلاني في هذا القطاع وكل ذلك يصب في إطار تحقيق تنمية للمجتمع من خلال الاستغلال العقلاني للموارد التي تتحصل عليها الهيئات المختلفة خاصة إقليميا في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية التي يعتبر رأس مالها العائد من الأموال المتحصل عليها إثر الفاعلية في الميدان السياحي، غدت السياحة المستدامة منهجاً وأسلوباً تقوم عليه العديد من المؤسسات السياحية العالمية ، وعلى غير ما يعتقد الكثير فإن تطبيق مفهوم السياحة المستدامة لا يعد مكلفاً من الناحية المالية ، فله عائده المعنوي والمادي ، ويعود بالربح والفائدة على المؤسسات السياحية،إن تطبيق مفهوم الاستدامة السياحية يعتمد على ثلاثة جوانب هامة ، العائد المادي لأصحاب المشاريع السياحية ، البعد الاجتماعي ، على اعتبار أن هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المحلي وعليها الاستفادة من الخبرات والكفاءات المحلية ما أمكن ، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المحلي والأخذ برأيه . أما البعد الثالث فهو البيئة ، حيث تعامل هذه المؤسسات على أنها جزء من البيئة ، وبالتالي يجب عليها المحافظة على الموارد الطبيعية من ماء وطاقة ونباتات وأحياء طبيعية لدرء أي خطر من مشاكل التلوث والتدهور .
إسماعيل علال

السياحة المستدامة في الجزائر
تتوفر الجزائر على إمكانات سياحية عظيمة، إلا أن عدم الاهتمام بها خلال مسارها التنموي حال دون الاستفادة منها والتعرف على مكنوناتها محليا ودوليا. فبالإضافة إلى تنوع التضاريس من الشريط الساحلي إلى المرتفعات الداخلية إلى الصحراء الشاسعة، وما تزخر به كل منطقة من معالم سياحية متنوعة، فللجزائر تراث تاريخي عريق استطاع أن يتحدى تعاقب الأحقاب كالكهوف والأضرحة والرسوم على الصخور والتي تعود إلى عهود ما قبل التاريخ.
وعندما دخل الرومان الجزائر شيدوا مدنا في شكل حاميات لا زالت تحتفظ بإبداعاتهم في الفن المعماري والتطور الثقافي، من ذلك مثلا آثار تيمقاد (باتنة)، جميلة (سطيف)، قالمة، تبسة، شرشال وتيبازة. كما تتوفر الجزائر على آثار إسلامية تعود جميعها إلى الفترة السابقة لدخول الإستدمار الفرنسي الجزائر، وتتجلى في المساجد والأبراج والقلاع والقصور والزوايا والقبب، وكلها تعتبر آية في الفن المعماري الإسلامي ومعالم ذات أبعاد حضارية. وتبدو الصناعات التقليدية كالزرابي والمنتجات الجلدية والنقوش النحاسية كأهم الحرف الواسعة الإنتشار في المدن كالجزائر وقسنطينة وتلمسان.
أصناف السياحة في الجزائر:
بعد هذا العرض الوجيز للشروط الواجب توفرها في تطوير السياحة، ينبغي التمييز بين ثلاثة أصناف من السياحة في الجزائر، وهي: السياحة الساحلية، السياحة الجبلية، والسياحة الصحراوية. وفضلا عن هذه الأصناف الثلاثة يمكن الإشارة إلى صنف رابع وهو سياحة الحمامات المعدنية حيث يوجد أزيد من 202 منبعا تتميز غالبيتها بالخاصية العلاجية.
ولكل نوع من هذه الأنواع خصائصه ونكهته التي لن يجدها السائح في الأنواع الأخرى. وفيما يلي سيتم عرض الأنواع الثلاثة الأولى
السياحة الساحلية: من المعروف أن الساحل الجزائري يمتد على طول 1200 كلم، تتخلله شواطئ بديعة، وغابات أخاذة وسلاسل جبلية ذات مناظر ساحرة على طول الشريط الساحلي. وبالرغم من إنتشار الهياكل السياحية في المناطق الساحلية، إلا أن فاعليتها لا تزال دون المستوى المطلوب، وذلك لأسباب عديدة أهمها غياب الرؤية الواضحة تجاه السياحة في الجزائر، وغياب المنافسة، وتهميش القطاع الخاص وقلة الإعتمادات المالية المخصصة لهذا القطاع. ولكي تحقق هذه الأخيرة الأهداف المرجوة منها لا بد من توفير وتحسين الظروف التي تتلاءم مع طبيعة المنطقة، منها ، الحفاظ على نظافة الشواطئ وإشعار السياح بمراعاة ذلك عن طريق بث الوعي بواسطة النشريات المختصرة والواضحة وبلغات متعددة.، الحيلولة دون حدوث سلوكات منافية للأداب العامة من السياح ومن عامة الناس.، إنشاء مساكن سياحية منفردة وعلى نسق مدروس بحيث تتناسب مع السياحة الفردية والعائلية وبكيفية يمكن التحكم في تسييرها وتوفير الأمن فيها، إنشاء ملاعب للرياضات الأكثر جذبا للسائح وتوفير القوارب الفردية والجماعية والتجهيزات الخاصة بالسباحة والغوص كأدوات للتسلية ومصادر للدخل.، توفير وجبات غذائية خفيفة وكاملة وفقا للمقاييس المعمول بها دوليا وذلك بالتنسيق مع منظمة السياحة العالمية والمنظمات القارية والجهوية المتخصصة. و توفير محلات تجارية تعرض كل ما قد يحتاج إليه السائح خاصة الصناعات التقليدية.
السياحة الجبلية/ تحتوي مناطقنا الجبلية على ثروات سياحية هامة مثل المناظر الطبيعية الخلابة والمغارات والكهوف التي أوجدتها الطبيعة منذ العصور الجيولوجية الغابرة. وللأسف نقف اليوم غير مبالين بها، وأصبحت النظرة إلى السياحة الجبلية تكاد تنعدم وتقتصر فقط على التزحلق على الثلج في منطقة تيكجدة (ولاية البويرة)، وتلاغيلف (ولاية تيزي وزو) والشريعة (ولاية البليدة). وهذا تقسيم للسياحة الجبلية لسببين أساسيين: أولهما يتمثل في الواقع المناخي في الجزائر حيث أن كميات الثلوج المتساقطة محدودة جدا مما يجعل استغلالها ظرفي، ومن ثم أصبح لزاما علينا أن نركز على المعالم الدائمة. وثانيهما أنه من الخطأ حصر السياحة الجبلية في التزحلق فقط، فهناك كهوف ومغارات طبيعية تمتد على مسافات طويلة لا نعرف عنها شيئا بالرغم من استفادة أجدادنا القدامى منها واستغلالها المكثف من طرف مجاهدي الثورة التحريرية بإستعمالها كمستشفيات لعلاج المرضى وأماكن للراحة وإنتاج وتخزين بعض السلع كالملابس والأحذية والأسلحة.
إن خبايا المناطق الجبلية لا تقتصر على المغارات والكهوف فحسب وإنما هناك ثروات أخرى لها أهميتها للسائح مثل الحيوانات المتنوعة والطيور النادرة والينابيع المائية العذبة والتي تتميز بالبرودة صيفا والفتورة شتاء، وكل هذه تعتبر بمثابة عوامل جذب للسياح إذ تثير فيهم الفضول والرغبة في إكتشاف المكنونات السياحية التي تتوفر عليها مختلف مناطق الجزائر.
وفي الواقع، لا تحتاج السياحة الجبلية إلى إستثمارات ضخمة وهياكل مكلفة، مثلما هو الحال للسياحة الساحلية، وإنما يكفي أن تحدد المواقع التي لها جاذبيتها للسياح بالاعتماد على الإشهار وتقديم الأشرطة حول هذه المواقع وضمان سلامة السياح. ومن غير المعقول أن نجد السياح المحليين يعرفون الكثير عن مرتفعات البيرو وجبال الآلب وقمم هملايا، بينما نجدهم يجهلون ما في جبال الأوراس وجرجرة والونشريس والهقار.
السياحة الصحراوية: تتوفر الجزائر على صحراء شاسعة بها كل المقومات الضرورية لإقامة سياحة ناجحة. ومن هذه المكونات واحاتها المنتشرة عبر أرجائها، ومبانيها المتميزة بهندستها، والسلاسل الجبلية ذات الطبيعة البركانية في الهقار حيث تتجلى عظمة الطاسيلي الشاهد على الحضارة الراقية والمجسدة في الرسوم المنقوشة على صخور لا زالت تروي للأجيال المتعاقبة حكايات شيقة وأنماط عيش متميزة للإنسان الترقي في تلك الأزمة الضاربة في أعماق التاريخ. وثمة عامل آخر يلعب دورا حيويا في تنشيط الحركة السياحية والتظاهرات الثقافية وهو ما يعرف بسفن الصحراء (الجمال) التي تثير حب الفضول في السائح الغربي لرؤيته و/أو لركوبه.
إن اتساع الصحراء الجزائرية تستلزم تبني إستراتيجيات تختلف عما يمكن تبنيه في المناطق الشمالية. وإذا كانت هناك عوامل قد يقع عليها إجماع مثل الهياكل والأمن والخدمات، فإن هناك قضايا أكثر إلحاحا بالنسبة للسياحة الصحراوية أهمها النقل البري والجوي. ولتجاوز هذا المشكل يستوجب تخصيص استثمارات كافية لترقية المرافق الضرورية كشق الطرق وتخصيص طائرات للرحلات الداخلية بين المناطق التي يتوافد عليها السياح، وفتح خطوط دولية مباشرة لتسهيل تنقل المسافرين من وإلى هذه المناطق.
واقع وآفاق السياحة في الجزائر : نظرا لما تملكه الجزائر من رخاء وتنوع للإرث السياحي هذا ما خلق لها موقعا مهما وطموحا كبيرا لدى الطبقة السياسية كي تجعل من السياحة موردا هاما ومساهما في آليات التنمية حيث تجعلها تخرج من عزلها لتصبح قطبا سياحيا هاما فالجزائر تتوفر على طاقات سياحية لا نظير لها على مستوي حوض البحر الأبيض المتوسط، فهي تزخر بطاقات سياحية في الساحل وفي الجنوب الكبير الذي يبهر الزوار بجماله حيث يشهد قطاع السياحة بها تطورا كبيرا، حيث تشهد المنطقة توافدا كبيرا من السواح منهم مغاربة بنسبة 44 % وكان الجزائريين المقيمين بالخارج يمثلون 39.4 % من الزوار في حين أن الأوربيين يمثلون 13.3 % جلهم فرنسيون بنسبة 2.7 % . وبدأ الوضع يتغير منذ وضع إستراتيجية تنموية تهدف إلى بعث سياحة كبديل مولد لمناصب الشغل والثروات بالنسبة للبلاد وخاصة في السنوات الأخيرة ، فقد أظهرت بيانات رسمية أن عدد السياح الأجنبي في الجزائر ارتفع ب4.09 % بتصدر الفرنسيين بإجمالي 70880 سائحا بما يمثل 36 % من المجموع ويليهم التونسيون و الاسبان و الالمان
كما أن الزيادات المعتبرة التي سجلت في نسبة قدوم السواح إلى الجزائر في السنوات الأخيرة أدت إلى ارتفاع مداخيل السياحة بالعملة الصعبة كما ان توقعات وزارة السياحة تشير الى ارتفاع السواح الأجانب بالنظر الى أن عدد استثمارات متوقعة في الأفق لاسيما على مستوي طاقات الإيواء
وفي هذا الشأن تأكد الوزارة على أن ينبغي على القطع المصرفي أخذ متطلبات مهني السياح بعين الاعتبار مؤكدا على أنه يبدو أن السلطات الجزائرية الواعية بهذه العراقيل تتوفر على الوسائل التي تجسد طموحاتها
التنمية السياحية في الجزائر :
لقد أعطت الدولة اليوم اهتماما كبيرا بقطاع السياحة نظرا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية على السواء فلجأت إلى وضع جهاز تشريعي يحدد كيفيات التنمية المستدامة لقطاع السياحة والقوانين الخاصة باستحلال الشواطئ وكذا مناطق التوسع السياحية .
وقد قررت الدولة خوصصة القطاع من خلال توجيه نداء للمستثمرين الذين يتعاملون مع الوكالة الوطنية للتنمية السياحية المكلفة بتسيير زهاء 174 منطقة توسع سياحي من بينها 20 أولوية هذا و قد صادق في وقت مضى المجلس الشعبي الوطني على مشروعي القانونيين المتعلقين بالتنمية المستدامة للسياحة والمواقع السياحية ، وقد أخذت التعديلات المقترحة على مشروع القانون بعين الاعتبار ضرورة الارتقاء بالقطاع السياحة إلى مصاف القطاعات المساهمة في زيادة الثروة وكذا تسييره عقلانيا ، وتمحورت هذه التعديلات حول ضرورة وضع حد لعدم الانسجام السائد في التنمية السياحية التي تعرفها المؤسسات السياحية الوطنية وذلك بتبني أسلوب جديد في التسيير يضمن الاستمرارية في العمل ويعتمد على تثمين الثروات الطبيعية والثقافية والحضارية المتاحة .،أعادت الاعتبار إلى المؤسسات الفندقية قصد رفع قدراتها الإيوائية . و توفير العرض السياحي وكذا تطوير وبعث أشكال جديدة للأنشطة السياحية تلبي السواح خاصة الأجانب .وقد تركزت التعديلات حول العقار السياحي الذي يعرقل الاستثمار السياحي عبر مختلف مناطق الوطن مقترحين إلغاء أو تعديل بعض المواد الواردة في المشروع كتلك المتعلقة بالعقوبات ومخطط التهيئة السياحية وآليات المراقبة لا سيما الخاصة بتحويل الأملاك العقارية والاستثمار.
وقد أكد أعضاء المجلس أن مشروع القانون هذا من شأنه تحديد المواقع السياحية وحمايتها من الخطر العمراني ومن المناطق الصناعية القضاء على الفوضى والحفاظ على الملكية الخاصة مع منح الأولوية في الاستثمار إلى صاحب الملكية.
إن السياحة اليوم أصبحت ضرورة حتمية وأكيد أن الجزائر رغم ما تملكه من طاقات نفطية إلا أن تحقيق التنمية الفاعلة دائما خاصة في القطاع الاقتصادي على الاستعانة بأكثر من مورد ( صناعي ،زراعي ، سياحي) ويعتبر القطاع السياحي مورد إضافي إن أحسن استغلاله والسياحة مرتبطة بفكر الوعي لدى أفراد المجتمع هذا ما يتطلب التموين مع تحقيق ثقافة سياحية لدى كل فرد البلوغ أهداف سياحية وهي دورها أهداف التنمية المنشودة هذا ما يجعلنا نفكر منظومة مجتمعية على الأمد البعيد تجسيدا للبعد السامي للتنمية المستدامة.
إن تطبيق مفهوم السياحة المستدامة يعني وجود سياحة نظيفة رفيقة بالبيئة وصديقة للمجتمع وذات مردود مالي كبير ومن هذا المنطلق نرى من الضروري تقديم بعض الضوابط الواجب تبنيها لتنمية سياحية مستدامة ، منها تسخير وسائل الإعلام للتعريف بالكنوز السياحية المتنوعة التي تزخر بها بلادنا.،وضع إستراتيجيات سياحية ترتكز على المنطق وتنبثق من واقع الجزائر وتنفتح على الثقافات السياحية في العالم تأخذ أحسنها وتترك أسوأها.،إنشاء معاهد متخصصة في السياحة تعمل على إرساء ثقافة سياحية لدى القائمين على المرافق السياحية المختلفة كل في موقعه ولدى المواطنين بواسطة الإشهار للتمكن من استمرارية الجهود وتجسيد الأهداف بتكلفة أقل وربح أكبر،صياغة نموذج لكل منطقة من المناطق السياحية، بحيث ينفرد كل نموذج عن الآخر بما يتلاءم وطبيعة كل منطقة وما تزخر به من إمكانات سياحية، إتقان اللغات الأجنبية الأكثر رواجا في العالم كاللغة الإنجليزية من طرف المرشدين لإمكانية التحاور والتفاهم وتجنب الحرج الذي قد ينجر عن استعمال لغة لا يفهمها السائح ،وجوب التحلي باللياقة الأدبية في التعامل مع السياح، محليين كانوا أم أجانب. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بالاختيار الدقيق لأشخاص اعتمادا على معايير موضوعية و اعتماد الصدق في الكلمة والتفاني في العمل والحفاظ على الأمانة والرزانة في التعامل.
إسماعيل علال