الباحثة جمعي فاطمة الزهراء

تعد مدينة المدية من أولى المدن التي تغلغل فيها النفوذ العثماني بعد مدينة الجزائر وضواحيها، تاركاً بصمات في مختلف أنواع العمارة سواء كانت دينية أو مدنية أو عسكرية مازالت تشهد على هذه الحقبة من الزمن، وهذا ما يتجلى لنا بوضوح في مدينة المدية التي تتوفر على عدد كبير من المعالم والمواقع الأثرية .

إنَ مدينة المدية من المدن التي تتوفر على عدد كبير من المعالم والمواقع الأثرية تتصدرها تلك التي ترجع إلى الفترة العثمانية ، والتي مازالت قائمة صامدة رغم التغيرات التي تعرضت لها في الفترة الاستعمارية خاصة، وكذا التطور العمراني السريع الذي عرفته المدينة على فترات متتالية، ومن بين المعالم التي لا تزال قائمة لحد الآن تلك المنشآت السكنية المدنية التي تتمثل في الدور والمساكن حيث تعتبر نماذج هامة للدراسة والبحث لما تحويه من خصائص معمارية أصلية.

ومن بين هذه المعالم التي لا تزال قائمة لحد الآن تلك المنشآت السكنية التي تتمثل في الدور كدار الأمير عبد القادر ودار الأمير خالد ودار سليماني ودار بوزيدي كنماذج هامة للدراسة والبحث نظراً لما تحويه من خصائص معمارية أصلية مازال الغموض يسودها و لأهمية الموضوع كان لنا اطلالة على أول رسالة دكتوراه تناولت هكذا موضوع من انجاز طالبة الدكتوراه الباحثة جمعي فاطمة الزهراء و هي على أبواب مناقشتها عن قريب

حاورها اسماعيل علال

الاخبارية / ما هو سبب اختيارك لهذا الموضوع/

إنَ اختياري لعمارة الفترة العثمانية، وتحديداً المنشآت السكنية بالدراسة والتحليل له عدة أسباب ودوافع، كون جل المعالم القائمة إلى حد الآن أغلبها سكنية إضافة إلى ندرة الدراسات الأثرية وقلتها باستثناء بعض الدراسات التاريخية التي تطرقت إلى الأحداث والوقائع التي جرت فيها، والتي لم تتطرق إلى مميزات وخصائص عمرانها رغم الأهمية التاريخية البالغة التي لعبتها مدينة المدية في العهد العثماني والتي شكلت فيها أحد أهم البياليك في الجزائر كما أنها لم تنل بما فيه الكفاية من الدراسة العمرانية أو المعمارية.

الاخبارية/ما هي الأسباب الموضوعية لهذا الانجاز العلمي/

لعل من أهم أسباب الموضوعية التي جعلتنا ندرس هذا الموضوع هي قلة الدراسات حول هذا الموضوع هذا ما حفزنا للخوض في هذه الدراسة. تسليط الضوء على المعالم المتبقية لمدينة المدية في العهد العثماني التي لم تتطرق إلى ذكرها المصادر والمراجع فهي مجهولة لدى المختصين والعوام، مما يجعلها عرضة هدم وتشويه لعاملي الزمن والإنسان. الاخبارية /ما هي اهم الاشكاليات التي تم تناولها في موضوعكم

إنَ الإشكالية الرئيسية التي يتمحور حولها هذا البحث هي هل صيغة مساكن مدينة المدية في العهد العثماني وفق تخطيط مساكن الفترة العثمانية ؟ وتندرج تحت هذه الإشكالية العديد من التساؤلات هي هل تبنى حقا المعمار بمدينة المدية نمط المساكن التي تتوافق وتوجهه الديني- الفكري- الاجتماعي ؟ و هل يوجد تأثير واستمرار فن عمارة المساكن الإسلامية لما قبل العهد العثماني بالجزائر؟

الاخبارية/هل اعتمدتم على دراسات سابقة تناولت مساكن المدية خلال الفترة العثمانية

طيلة الفترة التي استوفاها البحث لم نعثر على دراسات كثيرة وهي تعد على الأصابع في المجال التاريخي والأثري للمنطقة التي تذكر المدينة في سياق الحديث دون التفصيل فيها . حيث أورد بعض الصفحات تطرق من خلالهم إلى تاريخ المدية في الفترة المدروسة . مولاي بلحميسي ، مدينة المدية عبر العصور في تاريخ المدن الثلاث، الجزائر، مليانة، مدية، إعداد وتقديم عبد الرحمان جيلالي، الجزائر، 2007م.

حيث ذكر مدينة المدية في كتابه وخص لها جزء حيث تطرق إلى أكبر المحطات التاريخية التي شهدتها المدينة .

أما الدراسات الحديثة فهناك دراستين تناولت مدينة المدية، الأولى قامت بها الأستاذة فايزة بوشيبة، بايلك التيطري من خلال الأرشيف العثماني المحلي، رسالة الماجستير، جامعة الجزائر، قسم التاريخ 2005/2006م.

الاخبارية /ما هي المنهجية المتعبة في رسالة الدكتوراه

إنَ الموضوع المعالج يتمحور حول محورين أساسيين وهما الجانب النظري الذي قمنا فيه بجمع المادة العلمية التي لها صلة بالموضوع للمصادر والمراجع المتنوعة ،حيث حظيت هذه المدينة بإشارات مختلفة من طرف الجغرافيين والمؤرخين العرب والأجانب.

والجانب الثاني هو الجانب الأثري اعتمدنا فيه المنهج الوصفي والتحليلي وهو الجانب التطبيقي حيث قمنا بدراسة ميدانية لكل المعالم المدروسة وهي مسكن الأمير عبد القادر مسكن الأمير خالد، مسكن بوزيدي ومسكن سليماني من خلال عمليات الرفع المعماري وأخذ الصور ومرافقة ذلك بالوصف والتحليل المعماري للعناصر المعمارية والتعرف على مواد بنائها، أما الخطة المتبعة في هذه الدراسة فهي مقسمة إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وأنهيناه بملاحق وأشكال وصور. حيث تناولنا في الفصل التمهيدي الإطار الجغرافي والفلكي وأصول التسمية لمدينة المدية وكذا التطور التاريخي وأهم المحطات التاريخية الكبرى التي شهدتها مدينة المدية ابتداء من فترة ما قبل التاريخ مرورا بالفترة القديمة ثم الفترة الإسلامية و الاستعمارية. أما الفصل الأول فتطرقنا فيه إلى الدراسة الوصفية للمنشآت المدنية التي اخترنا منها أربعة نماذج، ومن خلالها بدراسة أقسامها الخارجية والداخلية بالتفصيل. ثم الفصل الثاني و الذي اشتمل على دراسة مختلف العناصر المعمارية المكونة لهذه المساكن من مداخل ودعائم وأسقف وأعمدة وعقود وتيجان وغيرها و بعدا تطرقنا للتفصيل عن المواد المستعملة في بناء هذه المساكن المدنية وكذا تقنيات بنائها.

الاخبارية//ما هي نتائج الدراسة الأثرية لمساكن مدينة المدية

من خلال هذا البحث الذي قمنا به حول العمارة المدنية لمدينة المدية كدراسة أثرية معمارية إلى مجموعة من النتائج والتي تنحصر أساسا في عدة نقاط مهمة وأساسية تتمثل في كون الموقع الجغرافي الذي تحتله منطقة مدينة المدية من بين المواقع الإستراتيجية الموجودة في الجزائر، والتي استقطبت الإنسان منذ فترة ما قبل التاريخ إلى الفترة الإسلامية، وذلك راجع إلى توفرها على كل الشروط الأساسية التي يجب أن تراعى في قيام المدن إذ أنها تعتبر كنقطة وصل بين المدن الكبرى، وذلك ما انعكس عليها ايجابيا من الناحية الاقتصادية في تنشيط المعاملات التجارية في أسواقها التي صارت مشهورة بين التجار مما ساهم في تحسين الظروف الاجتماعية للسكان.، تشابه تخطيط مدينة المدية مع تخطيط مدن الجزائر إلى حد كبير من ناحية الهيكل العام، وذلك في توسط المسجد الجامع ودار للمدينة وجعل المساكن في انعزال عن المراكز العامة وتحصين المدينة بالأسوار المدعمة بأبراج المراقبة والأبواب الرئيسية المحدودة العدد للتمكن من مراقبة ومعرفة الخارج والداخل من وإلى المدينة. ، تميز دور مدينة المدية بعدم التعقيد في تصميمها وخضوعها للنمط الإسلامي المعروف بطابق وفناء مكشوف، ومراعاة تعاليم الدين الإسلامي في بناءها وتأثرها بالعوامل الطبيعية في عملية بناءها مثل جعل السقوف جمالية والاكتفاء بطابق واحد. ،تأثر دور مدينة المدية بقصور ومساكن الجزائر من حيث التصميم العام وبساطة عناصرها المعمارية والاكتفاء باستعمال المواد أقل تكلفة والمتوفرة في البيئة المحلية كاستخدام الحجر في بناء الأساسات والأجر في رفع الأسوار وغيرها من استعمالات أخرى كما استخدم في الملاط للربط والشد، ومن خلال المعاينة العامة للمنشآت المدنية لمدينة المدية ودراستنا الميدانية لها، لاحظنا أن صورتها المعمارية والفنية تزداد سوءا يوما بعد يوم، وذلك يعود إلى

التغيرات والتجديدات التي تتعرض بها عشوائيا ويد التخريب من جهة ويد الترميم غير المتخصصة من جهة أخرى إضافة إلى في غياب المراقبة وهذه كلها عوامل أفقدته جزء من أصالة هذا التراث عوض الحفاظ عليه.

الاخبارية/ماذا تقترح الباحثة جمعي فاطمة الزهراء من خلال رسالة الدكتوراه

القيام بتسجيل كل من دار الأمير خالد ودار بوزيدي وسليماني في قوائم الجرد الإضافي.، تصنيف كل من هذه الديار كمعالم أثرية وذلك نظرا لخصوصية التاريخية والطابع المعماري المميز.،حماية هذه المعالم والسعي إلى ترميم دار الأمير خالد ودار سليماني ودار بوزيدي ومختلف عناصرهم المعمارية نظرا للتلف الكبير الذي حل بهم نتيجة التغيرات التي أحدثها مالكي هذه المنازل. كما يجب أن تتم عمليات الصيانة والترميم باشتراك المسؤول عنها والمتخصص في مادتها العلمية.

الاخبارية /كلمة أخيرة

في الأخير أشكر جريدة الاخبارية الجزائرية على هذه الفرصة التي منحتها لي لكي اشرح موضوع رسالة الدكتورة لقرائها الاوفياء و لكل المهتمين بالتراث العمراني كما اتمنى انني قد ساهمت ولو بالقدر القليل في إعطاء الموضوع حقه من الدراسة حول هذه المدينة العريقة والضاربة بجذورها في التاريخ وكذلك المنشآت التي مازالت صامدة أمام كل عوامل التلف والاندثار وهذه الخطوة الأولى قد تفتح الباب بمصراعيه أمام المزيد من البحث والدراسة من أجل إعادة الاعتبار لهذا التراث المادي بتصنيفه وترميمه وإعطائه وظيفة أخرى تمدد من عمر هذه المعالم باعتباره ارث ثقافي لان الحفاظ عليه جزء لا يتجزأ من عملية الحفاظ على الهوية الوطنية وفي نفس الوقت تساهم في رفع المستوى الاقتصادي للوطن.

اسماعيل علال

الحوار نشر بجريدة الاخبارية ليوم الاربعاء 15 افريل 2020