أيادي بشرية تصنع منحنيات من إبريق الطين الدوار

تُعتبر الجزائر أكبر دولةٍ من ناحية المساحة عربياً وإفريقياً، وفي المرتبة العاشرة عالمياً، وتقع في الجزء الشماليِّ الغربيِّ للقارة الإفريقيّة، وتطل على البحر الأبيض المتوسط، وهي دولةٌ تعتمد على الكثير من الصناعات التقليدية حتى هذا اليوم، إذ تتركز الصناعات التقليديّة في الجزائر في الأحياء العتيقة لتبهر العالم بالكثير من القطع الرائعة من الحُليِّ والمجوهرات المصنوعة يدوياً، والنسيج اليدوي الرائع، والنحاسيّات التي أصبحت تراثاً ثميناً، والخزفيّات، والفخار بأشكاله المختلفة، وفيما يلي سنتكلم عن صناعة الفخار في الجزائر؛ لأنه يُعتبر من أهمّ الصناعات التقليدية فيها ولمعرفة أكثر قمنا بزيارة بلدية الحمدانية على مستوى طريق شفة بين المدية و البليدة أين توجد محلات لبيع الفخاريات فكان لنا هذا التحقيق
إسماعيل علال


فخار الجزائر
ارتبطت صناعة الفخار بوجود الإنسان منذ القدم، واستمرّت بقوة الإنتاج نفسه حتى أصبحت اليوم نوعاً من التراث الثمين، ورمزاً من رموز الأصالة والتاريخ، وخصوصاً في دولة الجزائر؛ حيث تُعتبر واحدةً من الصناعات التقليديّة التي لا زالت مُستمرّةً حتى هذا اليوم. رغم انتشار صناعة الفخار في العالم إلا أنّ للجزائر لمسةً خاصةً، حيث منحها وقوعُها بمحاذاة البحر الأبيض المتوسّط ريادةً في هذه الصناعة، فلا نجد منطقةً في الجزائر لا تصنع الفخار أو تقتنيه في بيوتها للاستعمال والزينة، وقد اعتبر علماء الجيولوجيا الفخار مقياساً لمعرفة الحقب الزمنية، والاستدلال به على الماضي، حيث كان يُستخدم في المساجد والجدران، من خلال تزيينها بالفسيفساء الملونة.
أنواع الفخار الجزائريّ الفصيلة الريفية:
هي الموجودة بكثرة وبشكلٍ مُركّزٍ في الريف والقرى والقبائل؛ وتعدُّ من موروثاتها الفنية، وتأخذ إلهامها وديكوراتها من الرموز والإيحاءات القديمة، ويظهر التنوُّع في مُنتجاتها، فنجد الجِرار، والمزهريّات، وأواني الطعام، والأباريق، وممّا دعم بقاء واستمرار هذه الصناعة في القرى والقبائل هو اعتماد المطبخ الجزائريِّ على الأواني الفخاريّة بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث تُستعمل بشكلٍ أساسيٍّ للطاجين، وحفظ الزيت، وشرب الحليب، وحفظ الزبدة.
الفصيلة المدنية تختلف هذه الفصيلة عن الفصيلة الريفية بكثرة استعمالها للديكورات، وتأثُّرها الكبير بالفنِّ الإسلاميِّ، والخطوط العربيّة، وطرق التزيين، وكثرة استعمال الأزهار والأشكال الهندسيّة. مادة الفخار الأساسية تعتبر الطينة الحمراء طوبيّة اللون المادة الأساسية في صنع الفخار، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى التي تجعل من الطينة مادةً سهلة التشكيل، وقد يُستخدم الفخّار بلونه الطبيعيّ، وهو البنيُّ المائل إلى الأحمر، وقد تُضاف بعض الصبغات والأكاسيد المعدنيّة لتغيير اللون، أو تُرسم عليه بعض الرسومات للزينة؛ مثل: الأزهار، والأشكال الهندسيّة، وبعض الكلمات باللغة العربية. مع تطوُّر الآلات والأذواق ظهرت أنواعٌ جديدةٌ من الفخار في الجزائر؛ مثل: السيراميك الذي انتقلت صناعته إلى أوروبا في القرن الخامس عشر الميلاديّ، وفخار البوكراك الأسود أو الرمادي اللامع والأملس، واستمر التطوّر في صناعة الفخار في الجزائر بشكلٍ ملحوظٍ جداً، لما له من استعمالاتٍ كثيرةٍ في حياة الجزائريين، وظلَّ دليلاً قاطعاً على حضارة البلد وتاريخها.
تقنيات صناعة الفخار صناعة الفخار بالعجلة يتم تصميم الصلصال باستخدام عجلة الفخار التي تعتمد على أداة تقوم بنسخ شكل النموذج الرئيسي وإنتاجه، ثم صبه في قالب، وتجفيفه أو تقطيعه، أو ختمه على شكل ألواح أو مربعات، كما يجب وضع الفخّار على درجة حرارة عالية لتقوية الفخار، وتمكينه من حمل الماء.
صناعة الفخار باليد تتم صناعة الفخار عبر هذه التقنية باستخدام اليد والطين فقط، ولا يزال هذا النهج مُتبعاً في الوقت الحالي، حيث يتم ضغط كُرة الطين باليد من وتشكيل وعاء، ثم يتم لف الطين في حبال أو لفائف حتى الوصول للارتفاع المطلوب، ثم يتم تنعيم الطين في وقت لاحق
صناعة الفخار بالنار يمكن صناعة الفخار باستخدام النار، وذلك بهدف فصلها عن الماء وتجفيفها دون أي تحويل كيميائي، ويعود تاريخ الأفران الكبيرة التي تعمل بالفحم وتستخدم لتجفيف الطين للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وبعدها تم استبدال الفحم بوقود أنظف مثل: الغاز الطبيعي، والبروبان والكهرباء، وغيرها.
صناعة الفخار في المنزل يتم تشكيل الفخّار في المنزل باتباع الخطوات التالية الحصول على الصلصال المخصص وتنظيفه من الجزيئات غير المرغوب بها، وعجنه للحصول على مادة ذات قوام مناسب. تشكيل المجسم المراد باليد عن طريق الضغط على المادة الصلصالية للوصول للشكل المراد، أو استخدام الآلة الدورانية لهذه الغاية ويكون ذلك بوضع كمية مناسبة من الصلصال لحجم المجسم المراد صنعه على مركز آلة الدوران لتشكيل ما يشبه الحدبة للبدء بعملية اللف. التركيز على أعلى الحدبة المتكونة باستخدام اليدين، لتكوين كمية صغيرة من الصلصال في الأعلى وبدء تكوين معالم المجسم المراد سواء كان كوباً أم وعاءً أم غيرهما من الأشكال. تحريك اليد بطريقة تسمح بتمثيل الشكل المراد وصقله من كل الجوانب. استخدام أداة مخصصة لإزالة المجسم الناتج عن الآلة الدورانية عند الحصول على الشكل المطلوب. معالجة القطعة بتنعيم سطحها الخارجي عن طريق إزالة الزوائد من المجسم الناتج وصقله، بالإضافة إلى نحت الزخرفات المرادة باستخدام الأدوات الخاصة بذلك، يلي ذلك عملية التلوين باستخدام الأصابع، أو الفرشاة، أو قطعة من القماش. ترك المجسم في الهواء لتجفيفه وتخزينه لفترة تمتد من يومين إلى ثلاثة أيام. شوي القطع لجعلها أكثر تماسكاً وجفافاً، ثم إخراجها في اليوم التالي لعملية الشوي بعد أن تبرد.
أنواع الفخار يشتمل الفخّار على العديد من الأنواع، ومن ضمنها ما يلي
الخزف: يعود تاريخ صناعة الخزف لحوالي 9000 عام، ويُعتبر أوّل نوع تمت صناعته، ولا يزال يُستخدم في الوقت الحاضر. الخزف الحجري: يتسم الخزف الحجري بكونه صلباً جداً، وهو في العادة شبه شفاف، ولكن يختلف لونه فيمكن أن يكون أحمراً، أو بنياً، أو رمادياً، أو أسوداً، أو أبيضاً، وقد صُنع لأوّل مرّة في الصين عام 1400 قبل الميلاد.
البورسلان: صُنع هذا النوع من الفخّار لأوّل مرّة في الصين في عهد سلالة تانغ الحاكمة، بينما لم يُصنع في الغرب، ويتم تصنيعه من أي الطين الصيني الأبيض المُسمّى بالكاولين، وحجر الصين والذي يتم طحنه واستخدامه مع الطين ويُعرف باسم البيتونتس.

و يبقى صناع الفخار يترنحون على رمال متحركة في انتظار من يمدهم بالمساعدة للمحافظة على هذا الإرث الحضاري العريق اذ هو يحاكي الحاضر من عادات، وتقاليد، وفنون، ومقتنيات مادية، وغير ذلك عن أسلافه؛ حيث يعتبر التراث الشعبي علامةً مميزة وفارقة لكل شعب، بحيث يتميّز به عن باقي الشعوب الأخرى، وتتشكّل به هويته الخاصة. أمّا التراث الإنساني فهو أوسع من التراث الشعبي؛ إذ يتكوّن من كلّ ما توارثته الشعوب الإنسانية عن أسلافها جيلاً بعد جيل، وحضارة بعد حضارة، إلى أن صار التراث اليوم غنيّاً جداً بمكوّناته وعناصره. ومن هنا فإنّ الحفاظ على التراث يُعتبر من أولى الأولويات على الإطلاق، غير أنّ العولمة ونمط الحياة المتسارع صعَّب المهمة بشكل كبير على المهتمين بحفظ تراثهم وتوريثه للأجيال اللاحقة. من أهمّ طرق الحفاظ على التراث تعريف النشء الجديد به في المدارس ومنذ الصغر؛ حيث يكون ذلك من خلال الطرق المناسبة التي تتناسب مع كافة المراحل العمرية. إلى جانب ذلك فإنّ مسؤولية الحفاظ على التراث تقع أيضاً على عاتق الأهل في البيت، فتنصل الأهل من هذه المسؤولية مع ميل البعض منهم إلى حشو أدمغة الأطفال بمبادئ الثقافات الدخيلة واللاإنسانية في بعض الأحيان قد يعمل على استبدال التراث بما يتضمّنه من مكوّنات جميلة وسامية بالأفكار الهدّامة ممّا سيؤدّي في نهاية المطاف إلى ضياع الهويات الخاصّة بالشعوب المختلفة. بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ مسؤولية الحفاظ على التراث تقع أيضاً على عاتق الدولة نفسها؛ فسعي الدولة إلى التطوّر لا يجب أن يمنعها من الحفاظ على تراثها، وأصالتها، وعاداتها، وتقاليدها، وهناك العديد من التجارب الناجحة التي تؤكّد على إمكانية القيام بذلك والجمع ما بين الأصالة والمعاصرة.
إسماعيل علال