الشهيد بوقدرة منصور
مولده ونشأته: ولد المرحوم بوقدرة منصور المعروف بلقب بودرقة ببلدية المدية في 11 أفريل 1934 بحي واد الزيتون، وكان والده محمد يعزه كثيرا حين كبر وترعرع، ويصحبه معه كلما أجتمع مع أعيان البلاد، ليدمجه في المجتمع ويصير عضوا صالحا فيه.
كان رحمه الله يمتاز بمكارم الأخلاق والاعتزاز ولا يرضى الذل والاستعباد.
تعليمه: تلقى تعلمه للغة العربية في المدارس الابتدائية بمدينة المدية ثم تتلمذ لدى عبد الحميد بن باديس رحمه الله بمدينة قسنطينة، ولم يبق في قسنطينة مدة طويلة، أين اشتاقت نفسه لرؤية والديه فعاد ثانية، وفي هذه الأثناء تزوج ورزق بنتا وشغلته الحياة وتكاليفها، وجرى وراء السعي لجلب الرزق، وأصبح خبازا، وهو حينئذ لا يتجاوز العشرين سنة.
أعماله: انخرط في فوج الفداء للكشافة الإسلامية الجزائرية بالمدية وكان رحمه الله لا يصبر على تأليف المسرحيات وتمثيلها وهذه وسيلة غير مباشرة لتوجيه النصائح لعامة الناس وخاصتهم وليوقظهم من سباتهم الذي سلطه الاستعمار الفرنسي عليهم.
وكان لا يكتفي بالقول وأخذ يذكر أكثر من هذا من أجل استرداد كرامة المواطنين لما يعانونه من ظلم واستبداد عسكري، وجاهد في سبيل الله وحمل السلاح والتحق بإخوانه المجاهدين تحت لواء جيش التحرير الوطني سنة 1957 بدشرة الحلوانية وفي هذه الأثناء بالذات أسندت له مسؤولية قلما يتحملها غيره لما يتطلبه من ذكاء وفطنة ومعرفة واطلاع واسع وتحل بالصبر، ألا وهي تعيينه عضوا سياسيا للقسم الأول الناحية الرابعة المنطقة الثانية الولاية الرابعة.
التحق بإخوانه المجاهدين والمرارة تملأ حلقه غيظا مما عاناه ويعانيه كل جزائري شيوخا وأطفالا نساءا ورجالا، فلم يبق له الآن سوى البرهان ألا وهو التصدي ومواجهة الاستعمار بشتى الوسائل.
باشر مهمته متحليا بالشجاعة وخاض المعركة التي كان يراها حليفة الشعب الجزائري، لأن صاحب الحق ينتصر ولو بعد حين، وتداولت الأيام والأسابيع والشهور وهو يبذل كل ما في وسعه لبث روح التحلي بالصبر والشجاعة، وهذا ما يتطلبه كل جندي مثالي.
كان آخر نفس من حياته خاضه في معركة السمومة جبل يطلق عليه هذا الاسم، وهذا ما صرح لنا به أحد شهود العيان ألا وهو المجاهد سيساني لما جرى في هذه المعركة لنتتبع هذه المعركة باختصار، ونتعرف عما وقع بها.
كان الشهيد منصور بوقدرة بدشرة الحلاونية رفقة عدد من المجاهدين والمدنيين في أحد المنازل المعدة للتخطيط والتحضيرات للقيام بمهام تخدم الوطن والمواطنين، في هذا اليوم بالذات خرجت قوات فرنسية كبيرة مزودة بأحدث الأسلحة والشاحنات المعدة للنقل خرجوا ليزرعوا في نفوس المواطنين الخوف والهلع حتى ينقطع المواطنون عن الاتصال بالجيش الوطني، وتشتيت صفوفهم ونشر التفرقة لأن شعار الاستعمار هو شعار خطير جدا وهو “فرق تسد” أي بالتفرقة ينتصرون علينا، لكن تفطن كل المواطنين لهذا واتخذوا شعارا ألا وهو نموت وتحيا الجزائر. وبذلك لم يجد المستعمر وسيلة أخرى سوى استعمال الحديد والنار والقتل الجماعي بدون تمييز أو رحمة لأن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وهدفهم الوحيد هو إخماد الثورة فوقع عكس ما ظنوه.
خرجوا إلى هذه الدشرة وأخذوا يفتشون عن المجاهدين ومخابئهم وكلابهم المخصصة لهذه الأعراض تساعدهم في ذلك، وبينما هم قرب أحد المنازل إذا بالكلب بدأ يقفز هنا وهناك وينبح بأعلى صوته وكأنه يريد أن يقول أن هناك جنديا، اتبع الضابط الفرنسي كلبه فإذا به جندي في مخبئه وبمجرد رؤية الضابط أطلق الجندي بلعربي علي النار على الضابط والكلب وبعض مساعديه من عساكر فرنسيين، وقتل الضابط في الحال مع كلبه وأصيب عدد من العساكر بجروح، وفر الجندي بلعربي علي في أدغال المنطقة وبعد هذا الاشتباك تفطن الفرنسيون وحاصروا المنطقة من كل جهة، وجلبوا النجدة بقوات أخرى من ريغة، فجاءت الطائرات والدبابات والشاحنات المحملة بالعساكر، وأعطيت الإشارة من القادة الفرنسيين وبدأت الطائرات تحلق في السماء كأنها طيور لكثرتها وأخذت تطلق القنابل كأنها وابل من المطر، وأخذت المنازل تنهار وتنهدم والمواطنون يستشهدون الواحد تلو الآخر هاتفين بأعلى أصواتهم الله أكبر، ,النصر أو الاستشهاد، وكان من بين الأصوات صوت الشهيد منصور بوقدرة، الذي فارق الحياة.
استشهد مع إخوانه الأجلاء في هذا القتل الجماعي الرهيب سنة 1958 في شهر جوان، وهذه قائمة الشهداء الذين سقطوا في المعركة معركة السمومة:
حلوان الحسين، بلعربي علي، بن خوشة العربي، خوالد رابح، زيراري بلقاسم، شنوفي بلعباس، وقد سقط إخوان كثيرون من المدنيين، فرحم الله شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جنانه، وصدق الله حيث يقول في كتابه العزيز: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون.
منقولة بالتصرف عن مجلة مدرسة بوقدرة منصور المدية بقلم مصطفى حيولة.