الشهيد كلاش يحي
كانت ولادة الشهيد البطل يحيى كلاش المدعو سي الياس في حوش بحي الكوالة، ببلدية المدية في 22 فيفري 1936. وهو ينحدر من عائلة عريقة في الوطنية والتدين والجهاد، وينتمي إلى أسرة أصيلة كثيرة العدد تتكون من 15 من الأولاد.
والده عصمان معروف بامتلاكه أراضي فلاحية، واشتهر بنضاله المشهود في قطاع السكة الحديدية، حيث كان نقابيا متمرسا في الدفاع المستميت عن الحقوق والحريات الأساسية ـ المادية منها والمعنوية ـ للعمال الكادحين الذين ذاقوا أصناف القهر والتعسف من زبانية الاستعمار البغيض.
وبالإضافة إلى النضال المبكر للوالد في صفوف الحركة الوطنية عبر تعاطفه ونشاطه مع طلائع حزب نجم شمال إفريقيا، ثم حزب الشعب الجزائري، وكذا انخراط أشقائه وأقاربه في بوتقة الكفاح السياسي والنضال الوطني.
وفي كنف هذا الجو الجهادي المشحون بحب الانعتاق وكراهية الاستعمار. قد نشأ الفتى يحي كلاش وتشبعت روحه بفلسفة الرفض للطغيان والاستبداد واختمرت في نفسه قناعة التضحية بكل ما يملك انطلاقا من التضحية بدراسته وشبابه… فاكتفى بالدراسة لبضع سنوات في مدرسة ريشار (مدرسة محمد بلجباس حاليا)، وتابعها بالاكمالية ثم الثانوية محمد بن شنب.
شاء القدر أن يفقد يحي كلاش أمه وعمره لا يتجاوز السنتين فقط، حيث تربى يتيما على يد زوجة أبيه ثم التحق بصفوف فوج الفداء للكشافة الإسلامية الجزائرية، وفي هذه الفترة الصعبة من طفولته اشتهر بكثرة النشاط وخفة الحركة، وكان رياضيا ماهرا ومشهورا بما يسمى بالرياضة الجامعية بحيث تحصل في ذلك الوقت على عدة بطولات رياضية وطنية مع زميله في الرياضة الشهيد إمام الياس، كما كان يسمى بالطائرة المروحية نظرا لحضوره البارز في كل مكان. فقد أقلقت تحركاته العدو. وأثلجت نشاطاته الجهادية صدور المجاهدين.
بفضل تلك التربية، نضجت شخصية يحي وأصبح مشروع مجاهد أسطوري ساهم بكفاءة واقتدار في تحريك العمل السياسي والعسكري منذ اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة من خلال عملياته الفدائية وقنبلته لأليات الجيش الفرنسي، وهذا زيادة على نشاط أبيه وكل إخوته في النشاط التحرري أدى إلى هدم حوش عائلته في 23 جوان 1957 بواسطة الدبابات من طرف الجيش الفرنسي والتنكيل بباقي أفراد أسرته جراء عدم إحضارهم للفتى يحي كلاش حيا باعتباره متمردا وخارجا عن القانون والنظام العام.
وبتوجيهات من بعض المسؤولين في المنظمة الخاصة وحزب الشعب الجزائري تلقى يحي كلاش تكوينا عسكريا صارما وحاز على شهادة الأهلية العسكرية بالجزائر العاصمة، وارتمى بقوة في صفوف الثورة في ناحية الجزائر الكبرى، وكثر نشاطه في الشريط الساحلي وجبال المدية، ونجح في ترك بصمات بطولية بارزة في مقاومة جيش العدو، حيث خاض عدة عمليات جهادية وهو في عز شبابه.
ساهم المرحوم في تأطير إضراب الطلبة والتحاقهم بالجبال سنة 1956، وارتقى إلى رتبة ملازم أول في صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الرابعة.
وكان مسؤولا للاستعلامات والاتصالات بالولاية الرابعة، المنطقة الثانية، وقد أبلى أحسن البلاء تحت أوامر العقيد سي امحمد بوقرة إلى جانب لخضر بورقعة ومحمد كلاش “سي جعفر” والشهيد إمام الياس “سي جمال”، صديقه ورفيقه في الكفاح، شهادة على الالتزام الأخوي والنضالي والرياضي أيضا، حيث اقتسما نفس القدر وهو الشهادة من أجل الوطن.
حظي يحي كلاش بنيل شرف الاستشهاد في سبيل الله في مارس 1957 بجبال شفة في معركة مع العدو الفرنسي في كمين حربي وهو في ريعان شبابه”22 سنة”، والتحق بالرفيق الأعلى راضيا مرضيا ويده على الزناد، وكان حلمه الوحيد أن تتحرر الجزائر وشعبها من كابوس الاستعمار اللعين، ويتحقق أمل الشباب في الحرية والعدالة والتنمية والاستقرار.
المصدر: صفحة الفايسبوك: مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية.
مقابلة مع أخ الشهيد كلاش عمر يوم 04 جويلية 2023